بقلم/ فيصل الزامل
من يُريد النجاح عليه أن يكون كريمًا على نفسه والآخرين
أحد المهاجرين إلى البرازيل قص عليّ حكايته فاسمعوها، قال: شاركت في حرب 1956م وأسرني اليهود، ضربوني وكسروا أنفي ويدي لأعترف على زملائي، ولم أفعل فسجنوني مدى الحياة، وشاء الله أن تصل قوة من الفدائيين إلى سجننا في الصحراء وتحررنا، اتجهت إلى بورسعيد في سيارة نقل بضائع، ركبت سفينة لا أدري الى أين تتجه،؟ لم يكن معي جواز سفر ولا نقود، فقط إجازة قيادة، بعد شهرين وصلنا إلى البرازيل ونزلت مع الجنود فلم يطلبوا مني جواز سفر، عملت سائقًا في الغابات بين الهنود الحمر، طعامي الوحيد هو الموز وثمار الغابة مثلهم، لم يكونوا يحبون العمل لأنهم لا يجدون في الأساس سببًا للعمل، فطعام الغابة وأنهارها كانت كافية لمعيشتهم، كان معي أميركي شاطر، أحضر آلة عرض سينمائي وجعل النساء يتفرجن على ملابس نساء المدن فأعجبتهن، طلبن مثلها، وبدأت الحاجة إلى النقود وبالتالي إلى العمل، كان يقول لي: «النساء هن القوة الشرائية، ففي كل شارع بالمدينة عشرة محلات للنساء وواحد للرجال، ركز عليهن»، وكانت علاقاتي بالهنود الحمر جيدة، سألتهم: لماذا تأكلون لحوم الآخرين من البشر ولا تأكلون لحوم بعضكم إذا ماتوا، مثلًا؟ قالوا: لحمكم فيه طعم الملح، ألذ من لحمنا (يعني «دايقين» حتى لحمهم، ترى فينا مثلهم، يأكلون لحم البشر بطريقة ثانية).
عندما اقتربت حرب 67 رجعت بسرعة للمشاركة في تحرير فلسطين، أسرني اليهود، ولكن هذه المرة طالبت البرازيل بإطلاق سراحي لأنني أحمل جنسيتها، وتحررت بعد 6 أشهر، وبذلك أكون قد شاركت في 3 حروب لأنني أيضًا شاركت في حرب 1948 م، يومها كان شغلنا غير مُنظم (عليهم، عليهم) ولساننا أكثر فوضوية، فقد سألت الصحف الغربية واحدًا منا عام 48 : «إذا انتهت الحرب هل ستسمحون لليهود بالسفر للعودة إلى أوروبا؟»، قال: «هذا، إذا بقي منهم أحد»، واستخدمت وسائل الإعلام الغربية تصريحه للتحريض ضد العرب.
قلت لأبي سامي حدثني عن البرازيل قال: العرب هناك مُتحدون أكثر من عرب أمريكا الشمالية، وأقوى اقتصاديًا بكثير، فالجالية هي من أسباب بناء البرازيل الحديثة، ولها تأثير حتى في إدارة الدولة، بينما في الولايات المتحدة هم مُتفرقون بحسب بلدانهم الأصلية وخائفون من اللوبي الصهيوني، أنا تلقيت تهديدات من اليهود في البرازيل لأنني كنت أرسل أموالًا للمقاومة الفلسطينية، قالوا لي سنخطفك ونقتلك ونتعرض لأسرتك بالأذى، وبالفعل خطفوني عندما كُنت أمشي مُتجهًا إلى بيتي، وضربوني ثم تركوني، ولكنني لم أتوقف عن نشاطاتي، شاركت في بناء 140 مسجدًا في كل مُدن البرازيل الرئيسة، وبنيت وحدي مسجدًا كبيرًا كلفني مليون دولار”.
الجالية عندنا لا تعرف الانقسامات الجغرافية ولا حتى الدينية، ويُمكنك أن تُشاهد في مكتبي صورة قسيس برازيلي عربي، وهو يخطب في مُناسبة لجمع التبرعات لبناء مسجد، قلت لمحيي الدين الجمل وهذا اسمه، ما أكثر شيء تعلمته في الحياة؟ قال: من يُريد النجاح عليه أن يكون كريمًا، ليس على نفسه فقط ولكن على الآخرين، فالكرم دليل الشجاعة وعدم الخوف من المستقبل، والنجاح لا يجتمع مع الخوف، لقد قاومت التعذيب عام 56 والترهيب في البرازيل وها أنا عايش وناجح والحمد لله، وقد كان معي في السجن عام 56 زملاء، ولا يزالون في نفس المكان منذ 50 سنة عشت خلالها كل تحديات الحياة.
شكرًا أبو سامي.
كلمة أخيرة:
ومما كتب عُمر لأبي عبيدة في الشام-رضي الله عنهما -قوله «..هذا الليل والنهار يبليان كل جديد ويٌقربان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود، حتى يكون الناس بأعمالهم، فريق في الجنة وفريق في السعير».
.