قسطاس إبراهيم النعيمي
آثار الغضب على الجسم من منظور علمي:
أكد العلماء أن العديد من الاضطرابات النفسية تؤثر على الجسد، فالأمراض النفسية والضغوط الاجتماعية المزمنة تؤثر على مناعة الجسد ومقاومته للأمراض، وأن الضغوط النفسية قد تسهم في نشوء أمراض عضوية كالسكر والسرطان وأمراض القلب والجلطات، وغيرها من أمراض الغدد الصماء والاضطرابات الهرمونية والشيخوخة والهرم.
حيث يقوم الجهاز العصبي بالتحكم في بعض وظائف الأعضاء في الجسم كضربات القلب وضغط الدم وعمليات الهضم وجهاز المناعة والغدد الصم وتتصل معها اتصالا مباشرا وعندما يحدث أي خلل في عمل الجهاز العصبي بسبب الانفعالات النفسية سيؤدي إلى خلل في الأجهزة الأخرى مسببا الأمراض العضوية(32).
كما يؤدي تأثير الاضطراب النفسي على جهاز المناعة حيث تفرز الغدد الصماء هرمونات تزيد عن حاجة الجسم الطبيعي إليها أثناء الاضطراب النفسي مثل (الأدرينالين) و(النورابنيفرين) من نخاع غدة الأدرينال (جار الكلوية)، ويقوم الإجهاد النفسي بصرف المدخرات التي كانت مخصصة لعمليات البناء في الجسم واستخدامها للدفاع عنه عند الحاجة مما يؤدي إلى ضعف في مناعة الجسم.
كما يزيد الضغط النفسي من نفوذية الشعيرات الدموية في المخ الذي يسمح بمرور الكثير من المواد الكيماوية إلى داخله مسبباً أعراضاً لا تحدث إلا بنفاذها مثل الصداع والغثيان والدوخة.
والإجهاد المتكرر يسبب ارتفاع ضغط الدم، ومع الزمن يؤدي إلى زيادة سمك الشرايين التي تحمل الدم إلى النصف الأمامي من المخ، الأمر الذي قد يؤدي إلى حدوث الجلطة أو سكتة دماغيه.
كما يؤدي تكرار حدوث الانفعالات النفسية غير السارّة إلى تعطيل وظائف جهاز الهضم مثل سوء الهضم وخلل في إفراز العصارة المعدية التي تعمل على تسهيل عملية الهضم، بل تؤدي أحيانا إلى تلف أنسجة الجسم كما هو الحال في القرحة الهضمية مثل قرحة المعدة وقرحة الإثني عشر والتهاب القولون(33).
إن الغضب المتكرر الذي يتعدى الحد المقبول يؤدي إلى الإضرار بشرايين القلب واحتمال الإصابة بأزمات قلبية قاتلة وخلل في جهاز المناعة الذي سببه العلاقة بين الانفعال الحاد والغدد الحيوية في الجسم التي تتقلص وتفرز عصارتها تحت تأثير أزمات نفسية خطيرة لتتعرض المواد الفعالة المنطلقة من إحدى هذه الغدد للضعف الشديد مما يؤدي إلى احتمال تحول الخلايا السليمة إلى خلايا سرطانية في غياب النشاط الطبيعي لجهاز المناعة(34).
إن الشعور بالغضب هو إثارة عاطفية تبتدئ بحماس قوي إما بتعبير حركي أو لفظي أو بميل عدواني يصعب في بعض الأحيان ضبطه والسيطرة عليه، ويعد الجسم هو موضع التبدلات الفسيولوجية والعصبية الملاحظة، فنرى في حال توسيع الشرايين احتقاناً بالوجه، أما في حال الانقباض فنرى شحوب في الوجه واصفراراً فيه، كما نرى سرعة في التنفس أو عرقاً يتصبب وهو التعبير الأخير للسلبية(35).
إن كان لديك اضطراب في نظم القلب فلا تغضب، فهرمون الأدرينالين يمارس تأثيره على القلب فيسرع القلب في دقاته، وقد يضطرب نظم القلب ويحيد عن طريقه السوي، ولهذا فإن الانفعال والغضب يسببان اضطراباً في ضربات القلب وكثيراً ما نشاهد من يشكو من الخفقان في القلب حينما يغضب أو ينفعل.
وإن كنت تشكو من ارتفاع في ضغط الدم فلا تغضب لأن الغضب يرفع مستوى هذين الهرمونين في الدم ممل يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، والأطباء ينصحون المرضى المصابين بارتفاع ضغط الدم أن يتجنبوا الانفعالات والغضب.
وإن كنت مصاباً بمرض في شرايين القلب فلا تغضب لأنه يزيد من تقلُّص القلب وحركته، وقد يهيئ ذلك لحدوث أزمة في القلب، وإن كنت مصاباً بالسكَّري فلا تغضب: فإن الأدرينالين يزيد من سُكّر الدم، وقد ثبت علمياً أن هذه الهرمونات تنخفض بالاستلقاء(36).
إن الانفعالات الشديدة والضغوط التي يتعرض لها الإنسان كالخوف والغضب يحرض الغدة النخامية على إفراز هرمونها المحرض لإفراز كل من الأدرينالين والنور أدرينالين من قبل الغدة الكظرية، كما تقوم الأعصاب الودية على إفراز النور أدرينالين(37).
كما إن ارتفاع هرمون النور أدرينالين في الدم يؤدي إلى تسارع دقات القلب، وهذا ما يشعر به الإنسان حين الانفعال والذي يجهد القلب وينذر باختلاطات سيئة، فهو يعمل على رفع الضغط الدموي بتقبيضه للشرايين والأوردة الصغيرة، كما أن الارتفاع المفاجئ للضغط قد يسبب لصاحبه نزفاً دماغياً صاعقاً يؤدي إلى إصابة الغضبان بالفالج، وقد يصاب بالجلطة القلبية أو الموت المفاجئ،وقد يؤثر على أوعية العين الدموية فيسبب له العمى المفاجئ، وكلنا يسمع بتلك الحوادث المؤلمة التي تنتج عن لحظات غضب(38).
هذا وإن ارتفاع النور أدرينالين في الدم يحرر الغليكوجين من مخازنه في الكبد ويطلق سكر العنب مما يرفع السكر الدموي، إذ من المعلوم أن معظم حادثات الداء السكري تبدأ بعد انفعال شديد أو غضب. أما ارتفاع الأدرينالين فيزيد من عمليات الاستقلاب الأساسي ويعمل على صرف كثير من الطاقة المدخرة مما يؤدي إلى شعور المنفعل أو الغاضب بارتفاع حرارته وسخونة جلده. كما ترتفع شحوم الدم مما يؤهب لحدوث التصلب الشرياني ومن ثم إلى حدوث الجلطة القلبية أو الدماغية، كما يؤدي زيادة الهرمون إلى تثبيط حركة الأمعاء ومن ثم إلى حدوث الإمساك الشديد، وهذا سبب إصابة ذوي المزاج العصبي بالإمساك المزمن.
ويزداد أثناء ثورات الغضب إفراز الكورتيزون من قشرة الكظر مما يؤدي إلى زيادة الدهون في الدم على حساب البروتين، ويحل الكورتيزون النسيج اللمفاوي مؤدياً إلى نقص المناعة وإمكانية حدوث التهابات جرثومية متعددة، وهذا ما يعلل ظهور التهاب اللوزات الحاد عقب الانفعال الشديد، كما يزيد الكورتيزول من حموضة المعدة وكمية الببسين فيها مما يهيئ للإصابة بقرحة المعدة أو حدوث هجمة حادة عند المصابين بها بعد حدوث غضب عارم.
وقد أثبتت البحوث الطبية الحديثة وجود علاقة وثيقة بين الانفعالات النفسية ومنها الغضب وبين الإصابة بالسرطان، وأكدت الدراسات أن الأشخاص الذين يعانون من انفعالات نفسية مريرة بصورة مستمرة يموتون بالسرطان باحتمال نسبي أكبر، فالانفعالات النفسية تولد اضطراباً هرمونياً خطيراً في الغدد الصماوية يؤدي إلى تأرجح في التوازن الهرموني بصورة دائمة، هذا التأرجح يساعد على ظهور البؤرة السرطانية في أحد أجهزة البدن(39).
ويرى بعضهم أن التأثيرات التي تحصل في البدن نتيجة الغضب الشديد والذي يسبب فيضاً هرمونياً يؤدي إلى ما يشبه التماس الكهربائي داخل المنزل بسبب اضطرابات الدارة الكهربائية، وما ينتج عن ذلك من تعطل في كافة أجزاء الدارة الكهربائية(40).
فقد كشف الطب الحديث أن هناك العديد من التغيرات التي يحدثها الغضب في جسم الإنسان، فالغدة الكظرية التي تقع فوق الكليتين، تفرز نوعين من الهرمونات هما هرمون الأدرينالين، وهرمون النور أدرينالين، فهرمون الأدرينالين يكون إفرازه استجابة لأي نوع من أنواع الانفعال أو الضغط النفسي، كالخوف أو الغضب، وقد يفرز أيضاً لنقص السكر، وعادة ما يُفْرَز الهرمونان معاً.
إن إفراز هذا الهرمون يؤثر على ضربات القلب، فتضطرب، وتتسارع، وتتقلص معه عضلة القلب، ويزداد استهلاكها للأكسجين، والغضب والانفعال يؤدي إلى رفع مستوى هذين الهرمونين في الدم، وبالتالي زيادة ضربات القلب، وقد يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، ولذلك ينصح الأطباء مرضاهم المصابين بارتفاع ضغط الدم أو ضيق الشرايين، أن يتجنبوا الانفعالات والغضب وأن يبتعدوا عن مسبباته، وكذلك مرضى السكر لأن الأدرينالين يزيد من سكر الدم.
كما ثبت علمياً أن الغضب كصورة من صور الانفعال النفسي يؤثر على قلب الشخص الذي يغضب؛ كتأثير العدو أو الجري على القلب، وانفعال الغضب يزيد من عدد مرات انقباضاته في الدقيقة الواحدة فيضاعف بذلك كمية الدماء التي يدفعها القلب أو التي تخرج منه إلى الأوعية الدموية مع كل واحدة من هذه الانقباضات أو النبضات وهذا بالتالي يجهد القلب لأنه يقسره على زيادة عمله عن معدلات العمل الذي يفترض أن يؤديه بصفة عادية أو ظروف معينة إلا أن العدو أو الجري في إجهاده للقلب لا يستمر طويلا لأن المرء يمكن أن يتوقف عن الجري إن هو أراد ذلك أما في الغضب فلا يستطيع الإنسان أن يسيطر على غضبه لاسيما وإن كان قد اعتاد على عدم التحكم في مشاعره(41).
وقد ثبت علمياً -كما جاء في كتاب هاريسون الطبي- أن كمية هرمون النور أدرينالين في الدم تزداد بنسبة ضعفين إلى ثلاثة أضعاف عند الوقوف وقفة هادئة لمدة خمس دقائق، وأما الأدرينالين فإنه يرتفع ارتفاعاً بسيطاً بالوقوف، وأما الضغوط النفسية والانفعالات فهي التي تسبب زيادة مستوى الأدرينالين في الدم بكميات كبيرة، فإذا كان الوقوف وقفة هادئة ولمدة خمس دقائق، يضاعف كمية النور أدرينالين، وإذا كان الغضب والانفعال يزيد مستوى الأدرينالين في الدم بكميات كبيرة، فكيف إذا اجتمع الاثنان معاً الغضب والوقوف(42).
وقد لوحظ أن الإنسان الذي اعتاد على الغضب يصاب بارتفاع ضغط الدم ويزيد عن معدله الطبيعي حيث إن قلبه يضطر إلى أن يدفع كمية من الدماء الزائدة عن المعتاد المطلوب كما أن شرايينه الدقيقة تتصلب جدرانها وتفقد مرونتها وقدرتها على الاتساع لكي تستطيع أن تمرر أو تسمح بمرور أو سريان تلك الكمية من الدماء الزائدة التي يضخها هذا القلب المنفعل ولهذا يرتفع الضغط عند الغضب هذا بخلاف الآثار النفسية والاجتماعية التي تنجم عن الغضب في العلاقات بين الناس والتي تقوّض من الترابط بين الناس(43).
الغضب الصريح والغضب المكبوت:
عند ذكر أنواع الغضب قسمناه إلى ثلاثة أنواع باعتبار شرعي وهو الممدوح والمذموم والمباح، كما قسمناه باعتبار نفسي إلى صريح ومكبوت أو المكظوم، والسؤال بهذا الاعتبار هل كلا النوعين مذمومين أم أن المكبوت هو من النوع الممدوح؟
لقد بينا أن كظم الغضب ممدوح شرعا فهل هو ممدوح عند الأطباء؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي فكيف إذن يمكن التوفيق بين مدحه شرعا وذمه طبيا؟ لندع لأصحاب الاختصاص أولاً توضيح الأمر.
مما هو جدير بالذكر أن العلماء كانوا يعتقدون في الماضي أن الغضب الصريح ليس له أضرار وأن الغضب المكبوت فقط هو المسئول عن كثير من الأمراض ولكن دراسة أمريكية حديثة قدمت تفسيرا جديدا لتأثير هذين النوعين من الغضب مؤداه أن الكبت أو التعبير الصريح للغضب يؤديان إلى الأضرار الصحية نفسها وإن اختلفت حدتها ففي حالة الكبت قد يصل الأمر عند التكرار إلى الإصابة بارتفاع ضغط الدم وأحيانا إلى الإصابة بالسرطان، أما في حالة الغضب الصريح وتكراره فإنه يمكن أن يؤدى إلى الإضرار بشرايين القلب واحتمال الإصابة بأزمات قلبية قاتلة لأن انفجار موجات الغضب قد تزيده اشتعالا ويصبح من الصعب التحكم في الانفعال مهما كان ضئيلا.
الأخطر من ذلك كله أن بعض الأسلحة الفعالة التي يستخدمها الجسم للدفاع عن نفسه والمنطلقة من غدة حيوية تتعرض للضعف الشديد نتيجة لإصابة هذه الغدة بالتقلص عند حدوث أزمات نفسية خطيرة وذلك يفسر احتمالات تحول الخلايا السليمة إلى سرطانية في غيبة النشاط الطبيعي لجهاز المناعة(44).
إذن الغضب المكبوت له تأثير لا يقل خطرا على الجسم من الغضب الصريح، إلا أن الفرق هو أن الأول احتمالية تكراره ضئيلة مقارنة بالغضب الصريح والذي يترك له صاحبه العنان على الغارب، وهذا ما نراه بالفعل عند الغضوب الذي يسترسل مع غضبه وبين الذي يكظم غيظه حتى وكأنه لم يغضب ابتداءً، هذا من الناحية الطبية ومن ناحية أخرى فإن الشرع امتدح كاظم الغيظ لأنه امتثل الأمر الإلهي أولا ولأنه لم يعمل غضبه في الآخر من ناحية أخرى وبالتالي كان بسبب كظم غيظه ممدوحا عند خالقه مقبولا عند الناس.
علاج الغضب في العصر الحديث:
بعد فترة طويلة من الدراسات المضنية لعلماء النفس، وكم هائل من الخبرات والتجارب والاستقراء للعديد من الحالات، ومراقبتها وإخضاعها للفحص المخبري والنفسي والعصبي، تمكن بعض العلماء من تحديد وسائل وأساليب لعلاج حالات الغضب التي تصيب الإنسان، والتي زادت في الوقت الحالي بشكل كبير قد تصل بصاحبها ليس للغضب الشديد فحسب بل ربما لما يسمى الانتحار بسبب كثرة الضغوط النفسية والاجتماعية وتأثير الحضارة المادية على النفس والعقل.
ينصح علماء الطب النفسي الأشخاص الذين يتعرضون إلى نوبات الغضب إلى تمارين خاصة تؤدي إلى نتائج مذهلة، هذه التمارين تسبب استرخاء في الذهن يؤدي إلى انطفاء نار الغضب وإخماد الثورة العصبية، منها أن يعدّ الشخص من 1ـ 2ـ 3.. وحتى 30 قبل أن ينطق بأي حرف، كما يوصي الطب الحديث كل من يتعرض للغضب الشديد والانفعالات النفسية بالاسترخاء قبل إطلاق العنان للجوارح واللسان، وهذه الحقيقة الطبية كان لها بالغ الأثر في الوقاية من أخطر الأزمات عندما يوفق المرء في تمالك نفسه عند الغضب(45).
لذلك كان اقتراح الخبراء للجميع ألا يغضبوا لأبسط الأسباب في الحياة، هذا من جهة ومن جهة أخرى من الضروري أن يتعلم الناس بعض الأساليب الفعالة للتخلص من الغضب وطرد العواطف السلبية من نفوسهم، ويقدم الخبراء للجميع بعض اقتراحاتهم ونصائحهم التي تتمثل فيما يلي:
1. أسلوب الابتعاد وهذا يعنى أن الإنسان الغاضب يجب أن يبتعد بسرعة عن المكان أو الإنسان الذي أثار غضبه ويلجأ بسرعة إلى مكان هادئ لممارسة عمل جديد، وهذا بالضبط يقابله الأمر بالوضوء والاستلقاء أو الاضطجاع كحل عملي سريع لإذهاب الغضب.
2. أسلوب الصرف وهو عبارة عن تجاذب الأحاديث مع الأصدقاء والشكوى لهم مما يعانيه من الغضب والمشاكل لطلب المساعدة منهم مع صرف الغضب والعواطف السلبية الأخرى من أعماق النفس، وكذلك ما ذكرناه من العد من 1 – 30، ولعل هذا يقابله التعوذ بالله من الشطان الرجيم والتزام الذكر.
3. أسلوب التحول يجب أن يخرج الإنسان الغاضب من الغرفة فور غضبه، ويذهب إلى الطبيعة أو يستمع إلى مقطوعة موسيقية ذلك لتحويل انتباهه النفسي إلى أشياء أخرى تخفف شدة غضبه وتخلصه من عواطفه السيئة بالتدريج، ويدخل هذا مع النوع الأول كحل سلوكي أو عملي.
4. أسلوب تهذيب النفس ويتضمن هذا الأسلوب ممارسة بعض الهوايات الشخصية الفنية كأداء الغناء أو التدرب على الخط أو عزف مقطوعة موسيقية بآلة موسيقية أو ممارسة أعمال أخرى لتخفيف حدة الغضب وطرد العواطف السلبية(46)، وهذا يقابله بتعبير شرعي مجاهدة النفس كالجلوس والسكوت وصرف التفكير عن سبب المشكلة إلى صيانة النفس من الانفعالات وما يتبعها من تشويه للشكل والشخصية على حد سواء وازدراء الآخرين منه وبالتالي يتمكن من لجم نفسه المنفلتة وترويضها.
مما تقدم نرى أن العلم الحديث لم يأت بشيء جديد لهذا الداء الخطير -والذي استشرى بين الناس كما بينا أسبابه في مقدمة هذا الموضوع- وإن كل ما ذكر من وسائل لعلاج الغضب إنما هي وسائل بدائية بسيطة تعتمد في غالبها على محاولة إبعاد الغاضب عن مكان المشكلة ومحاولة تغيير تفكيره بما يبعده عن المعاودة والاسترسال، إلا أن كل تلك الوسائل -وإن كانت متشابهه إلى حد ما فيما بينها إن لم تكن هي واحدة سوى التغيير في التعبير الإنشائي فيما بينها- هي أيضا غير ناجعة في كثير من الأحيان إن لم يصاحبها عزم من الغضبان نفسه لتغيير حالته التي هو فيها، وهذا هو الفرق بين هذه الوسائل الحديثة وبين ما ذكرناه من وسائل علاجية نبوية قادمة من الوحي المنزه من كل عيب.
وجه الإعجاز:
لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا بحكمة إلى ضبط الانفعال عند الغضب قدر المستطاع محاولاً أن يأخذ بأيديهم إلى جادة الصواب وحفاظاً على صحة أبدانهم من المرض والتلف، لكنه عليه الصلاة والسلام كان يعلم في نفس الوقت طبيعة النفس البشرية، ويعلم أن الإنسان لحظة غضبه قد لا يقوى على كتم غضبه، خاصة إن كان يغضب لله أو لعرضه أو ماله، فإذا به يصف العلاج قبل أن يستفحل الغضب، وقبل أن يقدم الغاضب على فعل لا تحمد عقباه.
يؤكد هذا قوله عليه الصلاة والسلام: «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»(47)، يحث فيه النبي صلى الله عليه وسلم على كظم الغيظ وكتمه وهي وسيلة لو استخدمها الغضبان وحافظ عليها بدل الاستماع إلى مقطوعة موسيقية أو الخلود إلى حديقة هادئة أو العزف أو التدرب على الخط، وليت شعري أنى يتحقق كل هذا لإنسان لو شبهته بمجنون لما أخطأت لأنه في حالة غليان واضطراب وثوران لا يمكن له أن يفكر وهو في حالته تلك أن يخرج للحديقة -إن وجدت- أو العزف -إن كان يعرف العزف- أو مكان هادئ -مع تعذره- لأنه بحاجه لعلاج سريع يناسب الداء وهو الغضب ولا أعتقد أنهم جاءوا بأفضل مما جاء به نبي الرحمة من وسائل علاجية رائعة سريعة التأثير وفي نفس الوقت ممكنة التطبيق.
هذه الحقيقة في مجال الطب النفسي اكتشفها نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم حين أمر الغاضب أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم -بدلاً من أن يعد من الواحد للعشرة أو للثلاثين- وهذا واضح من مفهوم الآية الكريمة: ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأعراف: 200] فكان هذا السبق العلمي منه – صلى الله عليه وسلم – من أوجه الإعجاز التي لم تظهر إلا في هذا العصر، وإلا فما الذي أدراه بأن هذه الهرمونات تزداد بالوقوف، وتنخفض بالجلوس والاستلقاء، حتى يصف لنا هذا العلاج النبوي؟(48) فمن علم النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الهرمونات تزداد بالوقوف وتنخفض بالاستلقاء حتى يصف هذا العلاج؟.. لا شك أنه وحي يوحى إليه، عليه الصلاة والسلام.
ولعلي بهذه المناسبة أتقدم بطلب لكل العلماء المسلمين المتخصصين في هذا المجال ومن له علاقة بالعلوم النفسية والفسيولوجية والتشريحية مستخدمين الوسائل الحديثة والتقنية في أبحاثهم بشكل أكثر دقة ومصداقية ليكتشفوا الأسرار العملية والثمار الواقعية لما تسببه وصايا العلاج بالهدي النبوي كالوضوء والاستلقاء والتعوذ من الشيطان، ومحاولة كظم الغيظ وذكر الله والسكوت وغيرها حتى تكون أبحاثنا ودراساتنا ذات عمق علمي رصين وحقائق قاطعة نؤيد بها مصداقية الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
إعداد: قسطاس إبراهيم النعيمي.
14/ 2/ 2008م.
مراجعة علي عمر بلعجم.
_____________________
(1) الغضب آداب وأحكام د. نايف بن أحمد الحمد من موقع:
http://www.saaid.net/rasael/353.htm
(2) مجموع الفتاوى 28/ 159.
(3) سبل السلام 7/ 133. والمقصود باستحالة خلقته تغير شكله الخارجي تغيراً كبيراً.
(4) فيض القدير 6/ 80.
(5) تفسير القرطبي 1/ 193.
(6) جامع العلوم والحكم 1/ 147.
(7) – الغضب آداب وأحكام د. نايف بن أحمد الحمد أخذا من موقع:
http://www.saaid.net/rasael/353.htm
(8) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الأدب/ باب الحذر من الغضب 5/ 2267.
(9) فتح الباري شرح صحيح البخاري 10/ 520.
(10) أخرجه الترمذي 4/ 372 برقم 2021 وقال الألباني: حسن 1/ 1147.
(11) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الأدب/ باب الحذر من الغضب 5/ 2267.
(12) فتح الباري شرح صحيح البخاري 10/ 520.
(13) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الفضائل 4/ 1814، برقم: 2328.
(14) روضة العقلاء 1/ 141.
(15) تفسير ابن كثير 1/ 535.
(16) أخرجه أبو داود في سننه كتاب الأدب باب من يأخذ الشيء على المزاح 2/ 719، برقم: 5003، وحسنه الألباني في الجامع الصغير وزيادته، 1/ 1354، برقم: 13536.
(17) أخرجه البخاري في الأدب المفرد كتاب البنيان باب الرفق 1/ 164، برقم: 464.
(18) الغضب آداب وأحكام د. نايف بن أحمد الحمد أخذا من موقع:
http://www.saaid.net/rasael/353.htm
(19) طلاق الغضبان لابن القيم 1/ 58.
(20) أخرجه أبو داود في سننه 1/ 49، وقال الألباني: صحيح انظر صحيح أبي داود 1/ 5.
(21) المعجم الصغير للطبراني3/ 157، برقم: 1017، صححه الألباني بلفظ: ” إذا غضب الرجل فقال: أعوذ بالله سكن غضبه ” انظر: السلسلة الصحيحة – مختصرة 3/ 364، برقم: 1376.
(22) سنن أبي داود12/ 402، برقم: 4151، مسند أحمد 43/ 352، برقم: 20386، قال الألباني: صحيح. انظر: مشكاة المصابيح3/ 109، برقم: 5114.
(23) مسند أحمد5/ 61، برقم: 2029، قال الألباني: صحيح. انظر: السلسلة الصحيحة – مختصرة 3/ 363، برقم: 1375.
(24) المعجم الصغير للطبراني3/ 157، برقم: 1017، صححه الألباني بلفظ: ” إذا غضب الرجل فقال: أعوذ بالله سكن غضبه ” انظر: السلسلة الصحيحة – مختصرة 3/ 364، برقم: 1376.
(25) مسند أحمد5/ 61، برقم: 2029، قال الألباني: صحيح، انظر: السلسلة الصحيحة – مختصرة 3/ 363، برقم: 1375.
(26) الغضب آداب وأحكام د. نايف بن أحمد الحمد أخذا من موقع:
http://www.saaid.net/rasael/353.htm
(27) لم أجده.
(28) سنن أبي داود12/ 403، برقم: 4152، مسند أحمد36/ 421، برقم: 17302. قال الألباني: ضعيف. انظر: السلسلة الضعيفة – مختصرة2/ 51، برقم: 82.
(29) سنن أبي داود12/ 402، برقم: 4151، مسند أحمد 43/ 352، برقم: 20386. قال الألباني: صحيح. انظر: مشكاة المصابيح3/ 109، برقم: 5114.
(30) أخرجه البخاري في صحيحه 5/ 2267، برقم: 5763.
(31) مجموع الفتاوى 28/ 158.
(32) الهم والهرم من منظور القرآن الكريم والسنة النبوية/ حسن يوسف شهاب الدين أخذا من موقع:
http://images.google.com
(33) المرجع السابق.
(34) الإعجاز العلمي في الإسلام والسنة النبوية للأستاذ محمد كامل عبد الصمد.
(35) سلوك الغضب عند الأطفال إعداد: وليد مراد – اختصاصي نفسي إكلينيكي.
(36) قبسات من الطب النبوي، الأربعون العلمية عبد الحميد محمود طهماز.
(37) قبسات من الطب النبوي د. حسان شمسي باشا، الغضب وأثره السيئ على البدن د. محمود البرشة صدى الإيمان ع: 12، 1996م.
(38) د. محمود البرشة: “الغضب وأثره السيئ على البدن” صدى الإيمان ع 12، 1996م.
(39) د. إبراهيم الراوي: ” موقف الإسلام من الإصابة السرطانية ” حضارة الإسلام ع 18، ـ 1966م
(40) الغضب وأثره السيئ على البدن د. محمود البرشة.
(41) الإعجاز العلمي في الإسلام والسنة النبوية، محمد كامل عبد الصمد.
(42) أخذا من موقع:
http://www.eajaz.com
(43) الإعجاز العلمي في الإسلام والسنة النبوية ” محمد كامل عبد الصمد.
(44) المصدر السابق.
(45) الانفعالات النفسية، د. إبراهيم الراوي.
(46) هل يموت الإنسان حقا بسبب الغضب أخذا من موقع:
http://images.google.com
(47) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الأدب/ باب الحذر من الغضب 5/ 2267.
(48) أخذا من موقع: http://www.eajaz.com.
ــــــــــــــــــــــــــــ
– جامعة الإيمان