د/ إبراهيم حسن حسين
رئيس تحرير مجلة سنابل المصرية
تواجه الأمة الإسلامية والعربية هيمنة ثقافية تجلت فى سيطرة قوى أُتيح لها من التمكن العسكرى والسياسى، ما يدفعها إلى إدعاء أن حضارتها هى الحضارة الأعلى، ومن ثم فإن من حقهم التدخل فى ثقافة الآخرين وفرض نموذجها على الدول الأخرى.
وفى مُقابل ما يحدث الآن فى العالم من هيمنة دول المركز على دول الأطراف فإن ذلك يتطلب منا تجديدًا فى خطابنا الدينى المعاصر، وبخاصة أن مسألة التجديد فى الخطاب الدينى ليست قضية موسمية، وإنما هى قضية إسلامية مُتواصلة تتجدد بتجدد الزمان والمكان، وقد قال النبى (صلى الله عليه وسلم) فى ذلك: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يُجدد لها دينها” (أخرجه أبو داود فى سننه).
والفكر الإسلامى يختلف عن الفكر الغربى بشقيه الشيوعى والفردى، فالفكر الشيوعي يقوم على التفسير المادي للتاريخ، ويُعادي الدين ويجعل من المادة إلهًا والمذاهب الفردية الغربية تقف موقفًا مُحايدًا من الدين، وكلاهما يجعل الإنسان أسيرًا للدنيا، وهناك بعض المفاهيم مُتعلقة بالفكر الإسلامي ومنها مسألتان مُتعلقتان بالخطاب الديني:
المسألة الأولى: أن الإسلام ليس دينًا جديدًا، وإنما هو كما وصف القرآن الكريم مُهمة النبي(صلى الله عليه وسلم) أنه رسول الله وخاتم الأنبياء، وجاء كتاب الإسلام مُصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومُهيمنًا عليه، وكما أخبر القرآن الكريم :”آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ” (البقرة:285).
المسألة الثانية : وهذا شئ مهم لوجدان الأمة الإسلامية، فالمسلم لا ينزع نفسه من الحياة بل عليه أن يُشارك ويعيش، ولا يحرم نفسه كما أمره الله تعالى:”قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ” (الأعراف:32).
والخطاب الدينى بهذا المفهوم هو مُنتج عقلى لتوصيل صحيح الدين، بحيث يتم فتح باب الاجتهاد بأدوات وآليات مُناسبة نستطيع من خلالها تجديد صياغة الخطاب الدينى الذى يصدر من العلماء والدعاة والمفتين إلى جماهير المسلمين، وكذلك العالم الخارجى، وعلى ذلك يكون الخطاب الدينى فى حاجة إلى الآتى:
1- تراجع الدعوات المغلوطة والتفسيرات المنحرفة، والتأثير السلبى الذى يُمارسه بعض الدعاة، ولا يعرفون ما يدور حولهم فى العالم.
2- ضرورة وجود الفهم الصحيح لكثير من جوانب الإسلام عقيدة وشريعة وتصورًا للكون والطبيعة، فلم تعد المسألة مسألة القدرة الدعوية أو الخطابية، وإنما لا بد من تصحيح فهم الدعاة لأمور العقيدة والشريعة، وهذا يُكتسب بالتعلم و البحث، ومُتابعة ما يحدث فى العالم من تحولات علمية وتقنية مُتسارعة الخطى، مما أوجب علينا ضرورة النظر فحصًا وتدقيقًا ، والمشاركة الفاعلة فى الأخذ بالعلوم المفيدة.
3- الارتباط بواقع الناس وواقع الدنيا، وعدم الانحصار فى رؤية محلية ضيقة.
4- عدم الغفلة عن أثر تغير الزمان والمكان، وعدم التشديد على الناس لأننا فى عصر يحتاج إلى التخفيف والتيسير، وأن يكون إدخال الناس فى التدين من باب الترغيب دون الترهيب.
5- ضرورة ابتعاد الدعاة عن تحقير الإنسان لنفسه، وعدم ترهيبه حتى لا يعيش مخلوع القلب، لأنه بذلك لا يستطيع أن يصنع حضارة فى عالم صار الكون فيه قرية صغيرة.