بقلم: د. محمد ياسر القضماني
أعجبتني ولا تزال تعجبني بل تأسرني قصص الأكابر وأخلاقهم مع الأصاغر! من الأكابر؟! أو من الأصاغر؟!.
الأكابر: هم الذين جمعوا بين العلم النافع والمعرفة الحقة بالله، وتلألأت على جوارحهم لوائح التحقق والآداب؛ إن رُؤوا ذُكر الله، وإن تحدثوا ذكروا بالله!.
والخلاصة: أخلاقهم القرآن، كما قالت أم المؤمنين السيدة عائشة – رضي الله عنها – عن خلق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان خلقه القرآن” لتختصر كلاماً طويلاً عريضاً.
وأما الأصاغر: فهم الذي بعدوا عن العلم والعمل!.
لا يظهر لك – بحق – حال داعية إلا إن ابتُلي بواحد من هؤلاء الأصاغر عندما يجهل على الأكابر بقول أو عمل!.
ومن هذه القصص التي تأسر:
ما حدثوا عن أحد الأخيار من العلماء العاملين الأشراف؛ أصابه ضرٌ شديد من حكم الشيوعيين وصلفهم وإلحادهم، وتمادي الضرُ به حتى ذاق من ألوان العذاب في السجن وغيره أفانين وأفانين.
ثم حصل أمر غريب أن توفي أحد هؤلاء الجلادين الظلمة من هؤلاء الشيوعيين الذين كانوا يعذبون هذا الصالح.
وهنا تداعى أولاد المتوفي واستذكروا أصلهم وبان لهم أن والدهم غرر به، وأنه لابد أن يتداركوا ماذا يصنعون هل يَسْرَع به هكذا إلى قبره؛ إذاً لكان في شرَّ حال.
قال أحدهم: لماذا لا نذهب إلى هذا الصالح، لماذا لا نسمعه نبأ وفاة والدنا، عسى أن يشير بشيء فقلبه ممتلئ بالرحمة على الناس كلهم.
وحضر ولد المتوفي دار هذا الصالح المبارك فعرف من مجيئه في هذا الوقت أن حدثاً حدث!.
قال الولد: توفي الوالد.
قال الشيخ: نسأل الله له الرحمة!.
ألا تعجبون من هذا الحال؟!.
بل أنت لا تدري من أيهما أنت تعجب من مجيء هذا الولد أي المجترئ الظالم على المظلوم، أم من جواب هذا الصالح ومقابلته الكريمة.
ما انتهى الأمر !!.
الأمر أعجب!.
قال الشيخ: اذهبوا أنا ألحق بكم!.
قال الولد: الصلاة عليه يا شيخ ماذا نصنع؟.
قال الشيخ: أنا أصلي عليه!!!.
كان الولد متردداً لم يصرح لأنه كان مرتاباً، كيف سيجترئ ويطلب من المظلوم الصلاة على الظالم.
فلما قال الشيخ: أنا أصلي عليه! كان في غاية الذهول.
انتهى الأمر؟!.
هذه الأخلاق المحمدية هي التي تجمع الناس على ربهم ألم يأت – عليه الصلاة والسلام – إلى عبد الله بن أبي بن سلول وأراد أن يصلي عليه، ثم أعطي ولده كساءً منه ليكفي به والده، فقد أخذ مرة منه كسوة، ولا يريد أن يدفن وله عليه منه!.
الذي حصل في نهاية هذه الواقعة التي جرت مع هذا الصالح وأهل الظالم أن ملكهم بخلقه فصار أهله من المنتفعين بالشيخ السائرين على خطاه.
(اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) طه: 43-44.
نعم صدق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إمام الدعاة وسيد الأدلاَّء على رب العالمين وعندما قال: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه).