

محمد عادل فارس
أيها الشباب: أنتم أمل الأمة بعد الله، وذخرها المرصود، فيكم القوة المتوثبة، والحيوية المتجددة المتفتحة. إن لم تكونوا أنتم عدة المستقبل، وقلعة الإسلام، وحصنه الحصين، وحاملي مشعله، فمن يكون؟
لن أكتم هذه الصيحة، بل سأطلقها عالية مدوية في أسماعكم، تردد الوديان والجبال صداها، فتنبه الغافل، وتوقظ النائم، وتضع النقاط على الحروف. تطوق أعناقكم بطوق الأمانة العظيمة. وإنني أرى أنكم لها أهل، بما آتاكم الله من مزايا وقدرات.
ليست هذه الصيحة لعَرَض زائل، ولا لغرض عاجل، ولا دنيا فانية، إنما هي صيحة إيمانية سماوية، تدعوكم إلى العمل للدين الخاتم، واقتحام الميدان، مؤثرين الباقي على الفاني، فماذا أنتم فاعلون؟
أيها الإخوة الشباب:
كلما زاد طوفان الفساد الأرعن اندفاعاً، وعظمت قوته، عظمت المسؤولية وتأكد الواجب. وإن الرجال الشجعان ينفضون في مثل هذه الحال عن أنفسهم غبار الكسل، ويشمرون عن ساعد الجد، ويعلنون أن وقت التثاؤب والتمطي قد ولى، وأنه قد آن أوان العمل الدؤوب، والمرابطة المبصرة على الثغور، وما أكثر الثغور التي تحتاج إلى حراسة وحماية!. وان كلاً منكم على ثغرة من ثغور الإسلام، فاللهَ اللهَ أن يؤتى الإسلامُ من قِبَله.
إن الميدان رحب فسيح، والساحة واسعة ممتدة، والجوانب التي تتطلب العمل وفيرة. ومهما تصدى للعمل أناس، فان الساحة تستوعبهم قائلة: هل من مزيد؟! وإن ثورة شعبكم في سورية تتطلب منكم كل جهد وكل تضحية…بالمال والدم والإبداع…
أيها الإخوة الشباب: يكاد يكون العمل للإسلام اليوم فرض عين على كل واحد منكم على قدر استطاعته، وذلك لكثرة موارد الفساد، وتعدد سبله واتساعها. وفي مثل هذا الجو، إن لم ينشط أهل الحق ويتحركوا بأقصى قوتهم، ضاع الحق وأهله معه، وعم الفسادُ وطمّ. وان انعزالكم وانزواءكم يُطمع أهل الشر، ويشجع دعاة الفتنة إذ يرون الساحة خالية، والطريق ميسرة لا عقبات فيها. والآن وبشائر انقشاع الظلمات عن شامنا الحبيب أصبحت، بإذن الله، قاب قوسين أو أدنى، لا بدّ أن تعملوا بوعي وجدٍّ واجتهاد حتى ينبلج فجر الإسلام، ولا يبقى للظلمات غشاوة على أرضكم.
ولا يحقرن أحدكم نفسه بأن يقول: إنني ضعيف، وإن معلوماتي ومعارفي محدودة! فلكل واحد منكم دوره مهما كان شأنه. ومن لم يحسن شيئاً أحسن غيره، فليعمل فيما يحسنه ويجيده. والله – تعالى -يقيض للأمور الأخرى غيره.
ثم أيحُسن أن يقول أحدكم: إن معلوماتي محدودة، ثم يرضى بهذا ويسكت عليه، ولقد علم كل واحد أن نقص المعلومات ليس ضربة لازب، وليس زيادةُ العلم وتنميته من المستحيلات. فلتقل يا أخي: اللهم زدني علماً، ولتندفع في طريق العلم. كيف لا، وطلب العلم فريضة، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين؟! وها هي ذي الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاءً بما يصنع. فليعمل من كان قليل المعرفة على تنميتها، وليكن آخذا ومعطياً في آن معاً. فما أجمل الأخذ والعطاء، وما أروعهما في مثل هذا!.
ويا أيها الإخوة أنتم الأقدر قوةَ جسم، وفراغ وقت، والأقدر على الجهاد بالنفس والجهد والمال. فاغتنموا القوة قبل الضعف، والفراغ قبل الشغل، والصحة قبل السقم. وادّخروا لأنفسكم رصيداً عظيماً عند من يضاعف الحسنة، ولا يجزي السيئة إلا بمثلها.
ولست أعني أنكم في غنى عن حكمة الشيوخ، بل لكم دوركم ولهم دورهم، ولئن كنا لا نستغني عن قوة الشباب، فهيهات أن نستغني عن حكمة الشيوخ وخبرتهم!.
تذكروا أيها الإخوة الشباب أن كثيراً من أصحاب سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا شباباً، هم رهبان في الليل فرسان في النهار. وللشباب من الصحب الكرام قصص رائعة، وأمثولات مدهشة في التضحية والإقدام والبذل والعطاء.
أيها الإخوة اسمحوا لي أن أحدثكم عن شيء من الماضي القريب الذي عشناه، عندما كنا في مرحلة من العمر كالتي أنتم فيها الآن.
وها هو ذلك الماضي أصبح اليوم ذكريات عذبة في نفوسنا، غير أننا نرجو أن يكون هذا الماضي مقبولاً ومثمراً عند الله، نجده في صحائف أعمالنا، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.