

د.عبدالمحسن الجار الله الخرافي
رحل عن دنيانا الفانية في يوم واحد علمان من رجالات الكويت؛ الشيخ صباح ناصر سعود الصباح، والشيخ نادر عبدالعزيز محمد النوري، وبينهما قواسم مشتركة، أولها لقب «الشيخ»، ولعله، ومثل ما سبق أن كتبت في مقال سابق، من جميل المقادير (لا من محاسن الصدف) أن يتزامن رحيلهما فأكتب عنهما معاً، مؤكداً أن كلا منهما قامة مستقلة تستحق مقالاً منفرداً، غير أني قد لا أجد شيئاً أضيفه من محاسنهما عما تمت الكتابة فيه في العديد من المقالات والتغطيات لشهرتهما، وتجنباً للتكرار.
أما لقب «الشيخ» فبالإجماع معناه «المتقدم في السن»، وقد اقترنت به بعض الاستخدامات المشهورة، لاقترانها بتقدم السن، فهذا شيخ القبيلة غالباً ما يكون من أكبرهم سناً، وهذا شيخ الإسلام، وهذا شيخ الأزهر كذلك، أو شيخ المحققين، وغيرهم كثر، وهكذا أصبحنا نطلق على كبير القوم من جهة والمفتي الديني من جهة أخرى لقب «الشيخ»، وهكذا أصبح المصطلح مزدوجاً على كل من شيوخ الحكم، وشيوخ الدين، وإن لم يكونوا كباراً في السن.
ولعل من بركات الشيخين صباح ونادر، وهما في قبرهما، أن جعلاني أفتح المعاجم اللغوية، لأقف على معانٍ كثيرة تتمحور حول ما ذكرته آنفاً، فرحمهما الله حيين وميتين.
وأما ما يجمعهما، فلعله الكثير من الخصال الحميدة التي ذكرت في التغطيات الصحفية والإعلامية عنهما، لعلي أقف عند أبرزها، وهو التواضع وحب الناس والشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين.
أما الشيخ صباح، فهو فارس من فرسان الصمود خلال الاحتلال، وقد كان سيعذره التاريخ لو خرج فيمن خرج من أفراد الأسرة الكريمة، درءاً للخطر عليها، وحفظاً للشرعية التي يمثلونها، لكنه أبى أن يخرج، بل كان رأساً من رؤساء المقاومة المدنية، فأدار تمويل أهل الكويت، ودعم المقاومة العسكرية بالمال والدعم اللوجستي، فكان بفضل الله تعالى من أحد أسباب النجاح، وحسب علمي المتواضع، كان هو والشيخ علي سالم العلي الصباح، واللواء خالد بودي رؤساء مجموعات رئيسية لتشكيلات المقاومة، وقد خوَّلهم الأمير الوالد الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح آنذاك بتسلم أموال التجار الكويتيين، وإعادة توزيعها على أهل الكويت الصامدين، مقابل وصل تسلم صغير الحجم متواضع الشكل، لكنه كبير المعنى باليقين بعودة الكويت، واستعادة التجار أموالهم، وبقيمة تحويل مجزية بعد التحرير.
وأكرر: هذا حسب علمي المتواضع، حيث لا يعني عدم وجود من لا أعرفه من رؤساء التشكيلات المختلفة للمقاومة.
كما كان، رحمه الله، متواضعاً حبيباً للجميع، لا يحب الأضواء ولا الشهرة ولا لفت النظر بالحق والباطل، كما ابتلي غيره من البعض المعروف، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، بما يضر الكويت وأهلها.
أما الشيخ نادر عبدالعزيز النوري، فهو الآخر يتمتع بالقاسم المشترك مع الشيخ صباح، حيث التواضع الجم والخلق الحسن في نشاط دعوي متقد بلغ الآفاق -من دون مجاملة- في العمل الدعوي والخيري العام، وفي جمعية الشيخ عبدالله النوري الخيرية بشكل خاص.
ولم أستغرب البتة حين رأيت صحفا أخرى غير كويتية تنعاه في صفحاتها الأولى من الصحف الآسيوية الموجهة إلى الجاليات المقيمة في الكويت، لأنه ليس رمزاً للعمل الخيري في الكويت، بل في كثير من الدول في القارات المختلفة، مما يعكس أيضاً شعوره بالمسؤولية الكبيرة تجاه الفقراء والبؤساء.
ولقد عرفته منذ نعومة أظفاره، حسن الخلق صاحب همة عالية، سابقا لأقرانه في العمل الدعوي، مبدعا في العمل الخيري، عابدا زاهدا يؤدي سنوياً مناسك الحج ماشياً ضمن عموم الحجاج.
رحم الله الشيخين صباح ونادر وعوض الكويت.. لا أهلهما فقط، خيراً إن شاء الله.
د.عبدالمحسن الجار الله الخرافي
ajkharafi@yahoo.com